الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
إلا أنه قال: فيه نظر، وهذا الوجه لم يذكر أبن عطية غيره، وكأن النظر الذي ذكره الزمخشري والله أعلم هو أن فعيلًا بمعنى مُفْعِل غيرُ مقبس، وبيت عمرو رضي الله عنه متأول، وعلى هذا القول يكون بديع السموات من باب إضافة اسم الفاعل لمصوبة تقديرًا.والمبدع: المخترع المنشئ، والبديع: الشيء الغريب الفائق غيره حسنًا.قوله تعالى: {وَإِذَا قضى أَمْرًا} العامل في {إذَا} محذوف يدل عليه الجواب من قوله: {فَإنَّمَا يَقُولُ}، والتقدير: إذا قضى أمرًا يكون، فيكون هو الناصب له.و{قضى} له معانٍ كثيرة.قال الأزهري رحمه الله تعالى: {قضى} على وجوه مرجعُها إلى انقطاع الشَّيء وتمامه؛ قال أبو ذُؤَيْبٍ: الكامل: وقال الشَّماخ: الطويل: فيكون بمعنى خَلَقَ نحو: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [فصلت: 12] وبمعنى أَعلم: {وَقَضَيْنَا إلى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الإسراء: 4].وبمعنى أمر: {وقضى رَبُّكَ أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ إِيَّاهُ} [الإسراء: 23].وبمعنى ألزم: {فَلَمَّا قضى مُوسَى الأجل} [القصص: 29].وبمعنى ألزم: قضى القاضي بكذا.وبمعنى أراد: {إِذَا قَضَى أمْرًا}.وبمعنى أَنْهَى، ويجيء بمعنى قَدَّر وأَمْضَى، تقول: قَضَى يَقْضِي قَضَاءَ؛ قال: الطويل: ومعناه الذي يدل تركيبه عليه هو معنى القطع، من قولهم: قضى القاضي لفلان على فلان بكذا إذا حكم؛ لأنه فصل للدعوى.ولهذا قيل: حاكم فَيْصل إذا كان قاطعًا للخصومات.وحكى ابن الأنباري عن أهل اللّغة أنهم قالوا: القاضي معناه القاطع الأمور المحكم لها.ومنه: انقضى الشيء: إذا تم وانقطع.وقولهم: قضى حاجته أي: قطعها عن المحتاج ودفعها عنه.وقضى دينه: إذا أدَّاه إليه كأنه قطع التقاضي والاقتضاء عن نفسه، أو انتفع كل منهما من صاحبه.وقولهم: قضى الأمر، إذا أتمه وأحكمه.وأما قولهم: قضى المريض وقضى نَحْبَه: إذا مات، وقضى عليه: قتله فمجاز.قوله تعالى: {فيكون} الجمهور على رفعه، وفيه ثلاثة أوجه:أحدها: أن يكون مستأنفًا أي خبرًا لمبتدأ محذوف أي: فهو يكون، ويعزى لسيبوبه، وبه قال الزَّجَّاج في أحد قوليه.والثاني: أن يكون معطوفًا على {يقول}، وهو قول الزَّجاج والطبري، ورد ابن عطية هذا القول، وقال: إنه خطأ من جهة المعنى؛ لأنه يقتضي أن القول مع التَّكوين الوجود. انتهى.يعني أن الأمر قديم والتكوين حادث فكيف يعطف عليه بما يقتضي تعقيبه له؟وهذا الرد إنما يلزم إذا قيل بأن الأمر حقيقة.أما أذا قيل بأنه على سبيل التمثيل، وهو الأصح فلا.ومثله قوله أبي النجم: الرجز: الثالث: أن يكون معطوفًا على {كن} من حيث المعنى، وهو قول الفارسي، وضَعَّفَ أن يكون عطفًا على {يقول}؛ لأن من المواضع ما ليس فيه {يقول} كالموضع الثاني في آل عمران، وهو {ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُون} ولم ير عطفه على {قال} من حيثُ إنه مضارع فلا يعطف على ماضي، فأورد على نفسه: الكامل: فقال: أَمُرُّ بمعنى مَرَرْتُ.قال بعضهم: ويكون في هذه الآية يعنى في آية آل عمران بمعنى كان فَلْيَجُزْ عَطْفُهُ على قال.وقرأ ابن عامر: {فيكونَ} نصبًا هنا، وفي الأولى من آل عمران، وهي {كُنْ فَيَكُونُ}، تحرزًا من قوله تعالى: {كُن فَيَكُونُ الحق مِن رَّبِّكَ} [آل عمران: 5060].وفي مريم: {كُن فَيَكُونُ وَإِنَّ الله رَبِّي وَرَبُّكُمْ} [مريم: 3536].وفي غافر: {كُن فيَكُونُ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين يُجَادِلُونَ} [غافر: 6869].ووافقه الكسائي على ما في النحل ويس.وهي: {أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [يس: 82].أما آيتا النحل ويس فظاهرتان: لأن ما قبل الفعل منصوبًا يصح عطفه عليه، وسيأتي.وأما ما انفرد به ابن عامل في هذه المواضع الأربعة، فقد اضطرب كلام النَّاس فيها، وهي لَعَمْري تحتاج إلى فضل نظر وتأمل، ولذلك تجرأ بعض الناس على هذا الإمام اكلبير، فقال ابن مجاهد: قرأ ابن عامر: {فَيَكُونَ} نصبًا، وهذا غير جائز في العربيةح لأنه لا يكون الجواب هنا للأمر بالفاء إلاَّ في يس والنحل فإنه نسق لا جواب.وقال في آل عمران: قرأ ابن عامر وحده: {كُنْ فَيَكُونَ} بالنصب وهو وَهَمٌ.قال: وقال هشام: كان أيوب بن تميم يقرأ: {فَيَكُونَ} نصبًا، ثم رجع فقرأ: يَكُونُ رفعًا.وقال الزجاج: {كُنْ فَيَكُونُ} رفع لاغير.وأكثر ما أجابوا بأن هذا مما روعي فيه ظاهر اللَّفظ من غير ناظر لملعنى، يريدون أنه قد وجد في اللفظ صورة أمر فَنُصِبَتا في جوابه بالفاء.وأما إذا نظرنا إلى جانب المعنى، فإن ذلك لا يصح لوجهين:أحدهما: أن هذا وإن كان بلفظ الأمر، فمعناه الخبر نحو: {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرحمن} [مريم: 75].أي فيمدّ، وإذا كان معناه الخبر، لم ينتصب في جوابه بالفاء إلا ضرورة؛ كقوله: الوافر: وقول الآخر: الطويل: والثاني: أن من شرط النصب بالفاء في جواب الأمر أن ينعقد منهما شرط وجزاء نحو: ائتني فأكرمك تقديره: إن أتيتني أكرمتك.وها هنا لا يصح ذلك إذ يصير التدقير: إن تكن تكن، فيتحد فعلا الشرط والجزاء معنى وفاعلًا، وقد علمت أنه لابد من تغايرهما، وإلا يلزم أن يكون الشيء شرطًا لنفسه وهو مُحَال، قالوا: والمُعَاملة اللفظية، واردةٌ في كلامهم نحو: {قُل لِّعِبَادِيَ الذين آمَنُواْ يُقِيمُواْ} [إبراهيم: 31] {قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ} [الجاثية: 14].وقال عمر بن أبي ربيعة: الطويل: فجعل تَغْرُب جوابابً لارقب وهو غير مترتِّب عليه، وكذلك لا يلزمُ من قوله أَنْ يفعلوا، وإنما ذلك مُرَاعة لجانب اللفظ.أما ما ذكره في بيت عمر فصحيح.وأما الآيات فلا نسلم أَنَّه غير مترتب عليه؛ لأنه أراد بالعباد الخُلّص، وبذلك أضافهم إليه.أو تقولُ: إن الجزَمَ على حَذْفِ لامِ الأمر، وسيأتي تحقيقه في موضعه إن شاء الله تعالى.وقال ابن مالك: إنَّ أنْ الناصبةَ قد تُضْمر بعد الحَصْر بإنما اختيارًا، وحكاه عن بعض الكوفيين.قال: وحكوا عن العرب: إنما هي ضربة من الأسد فتحطمَ ظهره بنصب تحطم، فعلى هذا يكون النَّصْب في قراءة ابن عامر محمولًا على ذلك إلاَّ أنَّ هذا الذي نصبوه دليلًا لا دليل فيه لاحتمال أن يكون من باب العطف على الاسم تقديره: إنما هي ضَرْبَة فَحَطمح كقوله: الوافر: اهـ. باختصار.
|